احلى استايل الادارة
عدد المساهمات : 741 نقاط : 7753 السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 29/08/2009 الموقع : في قلب الابداع
ثقافية العضو المميز: (0/0)
| موضوع: الحلقة 1 من رحلة القران العضيم الجمعة أكتوبر 23, 2009 7:51 pm | |
| احلى استايل يقدم:
المعلق:
قال الله تعالى في كتابه العزيز: ? وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ? [المزمل: 4]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (زينوا القرآن بأصواتكم) وقال أيضاً: (ليس منا من لم يتغنى بالقرآن).
وعن عائشة قالت: (استبطأني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فقال: ما حبسكِ؟ قلت: إن في المسجد لأحسن من سمعت صوتاً بالقرآن، فأخذ ردائه وخرج يسمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة، فقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك).
للقرآن أغراض منها: الإعلام والتنبيه، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، ووصف الجنة والنار، والاحتجاج على المخالفين، والرد على الملحدين، والبيان عن الرغبة والرهبة، والخير والشر، والحسن والقبيح، ومدح الأبرار، وذم الفجار، إلى غير ذلك.
وليس طبيعياً أن نقرأ هذه الموضوعات بأسلوب واحد، وإذا كان ترنم الباكي مقبولاً في آيات التوبة والاستغفار فهو مقبول في غير ذلك، مما يسعد ويبهج ويبعث الطمأنينة في النفس البشرية.
وقراءة القرآن قرآءة معبرة أمر قديم.
قال الزمخشري في "أساس البلاغة": «ومن المجاز صوت حزين» أي رخيم.
يقول ابن قتيبة: « أول من قرأ بالألحان عبد الله بن أبي بكرة، وكانت قراءته حزناً» أي فيها رقة صوت ليست على شيء من ألحان الغناء، ولا الحداء.
وبكى الطبيب البصري ناصر جويه وهو يهودي حين سمع قراءة القرآن العظيم من أبي الخوخ المقرئ، فقيل له: كيف بكيت من كتاب الله ولا تصدق به؟ قال: إنما أبكاني المعنى في الشجا.
للقرآن العظيم تقطيعاته الخاصة به، وهي نابعة من ذاته، يدركها كل مقرئ ويشعر بها من فيض إحساسه، وهذا ما جعل العرب يحارون أثناء قراءته أو سماعهم له، فلم يعرفوا بما يصفونه، أسحر هو أم شعر، أم هو الشيء الذي يدخل القلوب فتخشع الذات له من غير استئذان، وهذا هو الإعجاز، وهذا هو الفن.
ومن بدائعه أن نرى في مضمونه دلائل فريدة تنبع من حروفه المتزنة العظيمة، فنرى فيه الانسجام وهو كما يقول عنه ابن أبي الإصبع: يأتي منحدراً كتحدر الماء المنسجم بسهولة سبك وعذوبة لفظ، وسلامة تأليف، حتى يكون للجملة من المنثور وللبيت من الموزون وقع في النفوس، وتأثير في القلوب.
وهو كما يقول السيوطي: لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه يسيل رقة.
وإذا قوي الانسجام في النثر جاءت قراءته موزونة من غير قصد.
ومن بلاغة القرآن العظيم ما نراه في الإبدال وهو إقامة بعض الحروف مكان بعض، ومنه قوله: ?انفَلَقَ? بدل "انفرق"، ولهذا قال: ? فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ ? [الشعراء: 63]، فالراء واللام متتابعان.
ومنه ? إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ? [ص: 32]، أي "الخيل" والتخفيف من بلاغة القرآن المنبعثة من داخله بمعانٍ شتى من المدح والوصف وغير ذلك من الفنون، كل جملة منفصلة عن أختها مع تساوي الجمل في الوزن، ومنه قوله تعالى في سورة الشعراء: ? الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ?78? وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ?79? وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ?80? وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ?81?? [الشعراء: 78: 81].
واستخدم القرآن العظيم في مفرداته التعداد كأسلوب جميل رائع، ونلاحظ اللفظة المفردة على سياق واحد، كقوله جل شأنه في سورة الحشر: ? هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ? [الحشر: 23]، وقوله في سورة التحريم: ? مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ? [التحريم: 5]، وقوله في سورة التوبة: ? التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ ? [التوبة: 112].
وفي اختلاف اللفظين بحرف مقارب في المخرج سواء كان في الأول أو الوسط أو الآخر كقوله تعالى في سورة الأنعام: ? وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ? [الأنعام: 26]، ومن بلاغة القرآن العظيم التي يتردد صداها في جوانبه ما عُرِفَ بحسن النسق وهو أن يأتي المتكلم بكلمات متتاليات معطوفات متلاحمات تلاحماً سليماً مستحسناً، ولو أن كل جملة قائمة بنفسها، ومنه قوله تعالى في سورة هود: ? وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ?44?? [هود: 44].
ونلاحظ في كتاب الله العزيز أسلوب المشاكلة وهو ذكر الشيء بلفظ غيره، لوقوعه في صحبته تحقيقاً أو تقديراً، كقوله -عز وجل-: ? تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ?[المائدة: 116]، ومن سورة آل عمران قوله: ? وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ? [آل عمران: 54]، و? وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَاء ? [الشورى: 40]، وقوله: ? فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ? [البقرة: 194]، وقوله: ? وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ ? [الجاثية: 34]، وقوله: ? فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ ? [التوبة: 79]، وقوله: ? إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ?14? اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ?15?? [البقرة: 114، 115].
ومن المماثلة في القرآن العظيم وهو تماثل الألفاظ كلها أو بعضها في الوزن دون التخفية كقوله تعالى: ? وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ?1? وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ?2? النَّجْمُ الثَّاقِبُ ?3? إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ?4?? [الطارق: 1: 4].
ومما يوفر للقرآن العظيم وقعه الذاتي أنه هو نفسه يوفر الانسجام بين ألفاظه وأصواته من طرق كثيرة منها:
• حذف ياء المنقوص المعرف كقوله: ? الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ? [الرعد: 9]. وفي قوله من سورة غافر قوله: ? يَوْمَ التَّنَادِ ? [غافر: 32].
• وحذف ياء الفعل غير المجذوم كقوله جل شأنه: ? وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ?4?? [الفجر: 4].
• وحذف ياء الإضافة كقوله: ? فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ?16?? [القمر: 16]، ? فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ? [الرعد: 32].
• ومن أسلوبه أيضاً: زيادة حرف المد كقوله: ? الظُّنُونَا ? [الأحزاب: 10]، ? الرَّسُولاَ ? [الأحزاب: 66]، ? السَّبِيلا ? [الأحزاب: 67].. • وصرف ما لا ينصرف في ? قَوَارِيرَ ? [الإنسان: 15]..
• واختيار أغرب اللفظين نحو: ? قِسْمَةٌ ضِيزَى ? [النجم: 22]، ولم يقل: قسمة جائرة. وكذلك في قوله: ? لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ? [الهمزة: 4]، ولم يقل في جهنم، وفي سورة المدثر: ? سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ?26?? [المدثر: 26]، وفي المعارج: ? إِنَّهَا لَظَى ? [المعارج: 15]. وفي سورة القارعة ? فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ?9?? [القارعة: 9]]، وذلك مراعاة لفواصل كل سورة.
• وقد يكون العدول عن صيغة الماضي إلى صيغة الاستقبال كقوله تعالى: ? فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ? [البقرة: 87]، والأصل "قتلتم".
• وقد يطغى هذا الأسلوب لتغيير بنية الكلمة نحو ? وَطُورِ سِينِينَ ?2?? [التين: 2]، والأصل "سينا".
وقد كثر في القرآن العظيم ختم الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون، يقول السيوطي: « وحكمته وجود التمكن من التطريب بذلك » كما قال سيبويه: «إنهم إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والنون ؛ لأنهم أرادوا مد الصوت ويتركون ذلك إلى لم يترنموا، وجاء القرآن على أسهل موقف وأعذب مقطع».
والوقع في عبارة القرآن يسير المعاني فهو بإطلاق في التقريع والإعذار والإنذار، والتحذير والتخويف، ذو ألفاظ شديدة قابضة مزعجة، فإذا بشر ووعد وحمد، فألفاظه بإطلاق أيضاً باسطة بهيجة مشوقة، وقد قيل أن هذا الأسلوب في الأصوات القرآنية يلعب في تكييف عقل السامع وتهيئته لتلقي الدعوة دوراً هو فوق التعريف، وإن الجمال الفني في القرآن العظيم هو الذي جذب العرب إلى الإسلام.
إن أسلوب القرآن العظيم من دلائل إعجازه إذ أنه غير ما يكتب البشر، وما يقدمونه من نثر فني قد يعمد إليه بعضهم.
فيضحي من أجله قليلاً أو كثيراً بدقة المعنى، والترتيل في القرآن العظيم إبراز الحروف ونطقها مع الفصاحة، وهو ما يساعد على السير في إبراز وقع النص القرآني، وهو غير تنغيم والترعيد الذي نهى جل العلماء عنه، والترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف، وقد كثر الاعتناء بالوقف وأماكنه في القراءة، عندما دخلت في الدين الجديد شعوب من الأعاجم.
وقد انتشر الاهتمام بتجويد الحروف ومعرفة الوقوف، وحث السلف عليه حتى إنهم ألزموا المستجيز أن يعرف الوقف والابتداء قبل أن يجاز في تلاوة القرآن العظيم، والقارئ المتقن يقف عند المقاطع، والجاهل يقف عند انقطاع نفسه، وقد يقف في موضع يضر الوقوف عنده، ويخل بالمعنى.
وقوقد حذر العلماء من الوقوف على المواضع التي لا يتم فيها الكلام والكثير من خط المصاحف وضع لفظ "لا" بالأحمر للتنبيه بعدم الوقوف، وقد يكون في الآية وقفان، وقد رمز بثلاث نقاط علامة لمنع الوقف بين الكلمتين وجواز الوقف على واحد منهما، كقوله تعالى: ? الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ? [البقرة: 3]، والوقف على ? غَيْرِ ? [الفاتحة: 7]، في الفاتحة.
والوقف والقطع والسكت يقصر بها النفس عند أكثر القراء، وتشدد القراء في الوقف ما لم يرد فيه قراءة معتمدة وأن يكون الوقف غير مخالف للإعراب. قال -صلى الله عليه وسلم-: (مثل الذي يقرأ القرآن حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران).
لما بلغ الدين ذروة الكمال، وبلَّغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده وربى أمة تقلدت مهام النبوة ومسئولياتها من غير نبوة وكلفت النهوض بالدعوة وصيانة الدين من التحريف، فقال تعالى: ? كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ? [آل عمران: 110].
وضمن الله لهذا القرآن العظيم الذي هو أساس الإيمان واليقين بالبقاء والنقاء فقال: ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ?9?? [الحجر: 9].
وأقر الله عين نبيه بدخول الناس في هذا الدين أفواجاً، وبدت طلائع انتشاره في العالم وظهوره على الأديان كلها، فقال: ? إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ?1? وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا ?2? فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ?3?? [النصر].
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن العظيم، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك العام: (إنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي).
لما كان كل ذلك أذن الله لنبيه باللقاء الذي لم يكن أحد أشد شوقاً له منه، وقد أحب الله لقاءه كما هو أحب لقاءه، ومرت الأيام والشهور والسنون والقرون، وكتاب الله -عز وجل- الذي دارسه إياه جبريل، وحفظه صحابته عن ظهر قلب من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودونوه وخطوه ونسخوه في الرقوق وعلى العظام، والحجارة النحاف، وسعف النخل، والأقتاب والورق، مع دوران الشمس ودورة القمر في مشرق الأرض ومغربها، يأخذ حلته القشيبة، ويجلوا في بهاء وجمال وروعة مع كلمات الخالق البارئ المصور، فمن التنسيق في خطوطه وسطوره إلى التحسين في البنية الجمالية في الورق والتجليد والتذهيب.
ونشطت في أحضانه فنون وولدت علوم وابتكرت أنماط في الخطوط لم تكن من قبل، وظهر مئات الخطاطين النابغين المبتكرين عبر هذا الزمن الطويل، فرسموا آلاف المصاحف بخطوطهم الجميلة تقرباً إلى الله يرجون عفوه ومغفرته، ولم يقنعهم حبر سناج ومداد الورد والرمان، فطيعوا الذهب وكتبوا به، وحلوا فواصله بالفضة، وجلدوه بالديباج والحرير والجلد، واستخدوا اللك لبقائه ودوامه أطول مدة ممكنة، وولدوا آلاف الأشكال التي اقتبسوها مما أرشدهم إليها قرآنهم العظيم من الأزهار والنبات وبات المصحف العظيم موشاً في حلة بهية، يدهش الرائي لمرآه ويخشع القلب لنصه ومعناه.
وبات كل مسلم في أقاصي الأرض يقرأ في سطوره ويتمتع بجمال الحرف العربي وإن كان أعجمي اللسان من الصين إلى الهند فآسيا وأوروبا وإفريقية، ودوى في السحر الحرف العربي تلهج به ألسنة المؤمنين بلكناتها من أسود وأبيض وأصفر.
وخلال هذه القرون الممتدة في الزمن البعيد القريب تبلورت الاتجاهات المختلفة لنوع الخط وطريقة الضبط في المصاحف وسارت في مذهبين:
الأول: ساد في المشرق ويمثله مصحف ابن البواب الذي كتبه سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة هجرية في مدينة السلام ببغداد، نموذجاً ممتازاً له، ويغلب عليه استعمال العلامات التي وضعها الخليل، واستعملها الكتاب وأهل اللغة.
والثاني: هو الاتجاه الذي امتاز باستعمال الخط المغربي، وأظهر ميلاً أكثر للإبقاء على العلامات القديمة، وقد ساد هذا الاتجاه في بلاد المغرب الإسلامي، ولا تزال آثار هذين الاتجاهين بادية ظاهرة على ما يطبع من مصاحف إلى اليوم.
مضت القرون والسنون، والمصحف ينسخ باليد كلمة كلمة، وحرفاً حرفاً وكان لظهور الورق وصناعته على أيدي العرب المسلمين وتطويره وصقله وتقهيره أثر كبير على مسيرة فن المصحف وفن الكتاب العربي، وبظهور الورق ظهرت المطبعة سنة 1431 ميلادية في أوربا، وكان لظهورها الأثر في تقدم الثقافة والعلوم ونشرها في مختلف الطبقات، وكان لظهور المطبعة سبب في ظهور المصحف المطبوع الذي غدا متناولاً عند كل الشعوب.
كان ظهور المصحف المطبوع في أوروبا قبل ظهوره في أي بلد مسلم، نتيجة التطور الصناعي الذي حظيت به تلك البلاد، وظهر على أيدي المستشرقين، ويجمع كل من درس تاريخ المصحف المطبوع، على أن أول مصحف أخرجته المطابع ورأى النور كان في سنة 1106 هجرية تقريباً، والتي توازي سنة 1694 ميلادية والذي وقف على طبعه المستشرق "هينكل مان" في مدينة "هامبورج" بألمانيا.
وقد طبع ذلك المصحف بطريقة تنضيد الحروف، وليس تصورياً لمصحف مخطوط، ويقع في 560 صفحة، في كل صفحة ستة عشر سطراً مع مقدمة في ثمانين صفحة باللاتينية، وعلى رأس كل آية رقمها مع علامة تدل على انتهائها.
وفي دار الكتب المصرية نسخة منه، ولقد عانى هذا المصحف مما تعانيه التجربة الأولى في الطباعة، وخاصة إذا كانت على يد رجل ليس له إلمام ومعرفة بالقرآن العظيم.
في النسخة أخطاء فاحشة، لا تكاد تخلوا صفحة منه، سواء من حيث الرسم أو الضبط، كوضع كلمة مكان أخرى، ووصل ما لا ينبغي أن يوصل، إلى أخطاء تدل على جهل وسقم بالعربية وقواعدها، وقد جرى ضبط المصحف على طريقة الخليل وأهل المشرق، فالفتحة ألف مبطوحة فوق الحرف، والضمة واو صغرى فوق الحرف أيضاً، والكسرة مثل الفتحة تحت الحرف، والتنوين علامتان منها، والسكون دائرة مفرغة، والصلة رأس صاد، والشدة رأس شين، والهمزة رأس عين، والمدة بقية من كلمة مد، وقد جرى تنضيد حروفه على الإملاء الاصطلاحي، وتوالت طباعة المصاحف منذ ذلك التاريخ، ودخلت البلاد الإسلامية.
وأول طباعة إسلامية خالصة للقرآن العظيم ظهرت في "سان بيتر سبورج" بروسيا سنة 1787 قام بها مولاي عثمان، وظهرت المصاحف المطبوعة في دار الخلافة العثمانية ومصر والهند وغيرها من بلاد المسلمين ومن سواهم، ومنها مصحف طبع في قاذان سنة 1295 هجرية، والتي توافق سنة 1877 ميلادية، وهو مطبوع بالحروف مثل مصحف "هامبورج".
ورغم أنه لم يخلوا من الأخطاء إلا أن القائمين على طبعه قد حرصوا على الإشارة إلى مواطن الخطأ والصواب في خاتمة المصحف، وهو مضبوط على طريقة أهل المشرق تماماً، إلا في حالة الضمة والتنوين معها، فعلامة الضمة القصيرة فيه واو صغيرة مطموسة الرأس، والضمة الطويلة أكبر من القصيرة، وليس في المصحف أرقام للآيات.
لم تكن كل المصاحف المطبوعة تجري على طريقة تمضيد الحروف، بل الغالب هو تصوير مصحف مخطوط على الحجر أو بالزنك كالمصاحف التي طبعت في ألمانيا وفي "لايبزك".
وقد تمت طباعة مصحف للحافظ عثمان الشهير بقايد زاده كتبه سنة 1094 هجرية، ويعد هذا المصحف الذي طبع بطريقة التصوير من أجمل المصاحف إخراجاً وخطاً، وقد كتب بقلم النسخ، وكتبت رؤوس الآيات بخط التوقيع، وفي كل صفحة أحد عشر سطراً، ونهج في إملائه على طريقة ابن البواب، واستخدم طريقة المشارقة في الشكل.
والمدهش في هذا المصحف أن علامات التخميس والتعشير والأحزاب والأجزاء والأرباع قد رسمت كل واحدة منها بشكل مستقل تختلف عن أختها، ويدل هذا على خصب خيال المفن الذي ذهب ووشح هذا المصحف الشريف.
وبالرغم من أن الحافظ عثمان قد كتب أكثر من أربعين مصحفاً لم يبقى منها إلا القليل فإن هذه النسخة المتميزة تحمل أسلوبه في الكتابة، وتعبر عن السحر الحلال الذي وصل إليه خط النسخ حتى اختص بكتابة القرآن العظيم، واشتهر بمصر في أوائل القرن الهجري الحالي أواخر القرن التاسع عشر مصحف رضوان، الذي طبع سنة 1308 هجرية، الموافق لسنة 1890 ميلادية.
إلا أن المصحف الذي فاق كافة المصاحف المطبوعة شهرة هو المصحف الذي طبع في زمن ملك مصر فؤاد الأول، في اليوم السابع من شهر ذي الحجة لسنة 1342 هجرية، وقد كتب بخط النسخ الجميل، وصنعت حروفه بألمانيا، وضبط ضبطاً تاماً على ما يوافق رواية حفص بن سليمان بن مغيرة الأسدي الكوفي لقراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي التابعي، وأخذ هجاؤه مما رواه علماء الرسم عن المصاحف التي بعث بها عثمان بن عفان إلى البصرة والكوفة والشام ومكة.
والمصحف الذي جعله لأهل المدينة، والمصحف الذي اختص به نفسه، وعن المصاحف المنتسخة منها.
وعلى الجملة كل حرف من حروف هذا المصحف موافق لنظيره في مصحف من المصاحف الستة السابق ذكرها.
والعمدة في بيان كل ذلك على ما حققه محمد بن محمد الأموي المشهور بالخراز، مع إبدال علامات الأندلسيين والمغاربة بعلامات الخليل ابن أحمد وأتباعه من المشارقة.
واتبعت في عد آياته طريقة الكوفيين، وآي القرآن على طريقتهم 6236 آية، وأخذ بيان أوائل أجزائه الثلاثين، وأحزابه الستين، وأرباعها من الصفاقسي وبيان مكيه ومدنيه من كتب القراءة والتفسير، وأخذ بيان السجدات ومواضعها من كتب الفقه، وبيان السكتات من الشاطبية، ووضع الصفر المستدير فوق حرف علة يدل على زيادة ذلك الحرف، فلا ينطق به في الوصل ولا في الوقف، نحو قوله تعالى: ? قَالُوا ? وقوله: ? يَتْلُو صُحُفًا ? وقوله: ? لأَذْبَحَنَّهُ ? وقوله: ? وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى ?51?? وقوله: ? إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ ? وقوله: ? بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ?. ووضع الصفر المستطيل القائم فوق ألف بعدها متحرك يدل على زيادتها وصلاً لا وقفاً، نحو ? أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ? وقوله: ? لَكِنَّ هُوَ اللهُ رَبِّي ? وقوله: ? وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ? وقوله: ? هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ ? وقوله: ? كَانَتْ قَوَارِيرَ ?15? قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ ?16?? وأهملت الألف التي بعدها ساكن نحو ? أَنَا النَّذِيرُ ? من وضع الصفر المستطيل فوقها، وإن كان حكمها مثل التي بعدها متحرك في أنها تسقط وصلاً وتثبت وقفاً لعدم توخم ثبوتها وصلاً.
ووضع رأس فاء صغيرة بدون نقطة فوق أي حرف ساكن نحو ? مِنْ خَيْرٍ ? ? وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ? ? بِعَبْدِهِ ? ? قَدْ سَمِعَ ? ? فَقَدْ ضَلَّ ? ? نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ? ? أَوَعَظْتَ ? ?خُضْتُمْ? ? وَإِذْ زَاغَتِ ?.
وتعرية الحرف من علامة السكون مع تجديد الحرف التالي يد على إدغام الأول في الثاني إدغاماً كاملاً نحو ? أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ? ? يَلْهَثْ ذَلِكَ ? ? وَقَالَت طَّائِفَةٌ ? ? وَمَن يُكْرِهُّهنَّ ? ? أَلَمْ نَخْلُقكُّم ?.
وتعريته مع عدم تشديد التالي يدل على إخفاء الأول عند الثاني، فلا هو مظهر حتى يقرعه اللسان، ولا هو مدغم حتى يقلب من جنس تاليه نحو: ? مِن تَحْتِهَا ? ? مِن ثَمَرَةٍ ? ? إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ ?.
أو إدغامه فيه إدغاماً ناقصاً نحو: ? مَن يَقُولُ ? ? مِن والٍ ? ? فَرَّطتُمْ ? ? بَسَطتَ ?.
ووضع ميم صغيرة بدل الحركة الثانية من المنون أو فوق النون الساكنة بدل السكون مع عدم تجديد الباء التالية يدل على قلب التنوين أو النون نحو: ? عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ? ? جَزَاءً بِمَا كَانُوا ? ? كِرَامٍ بَرَرَةٍ ?16?? ? مِن بَعْدِ ? ? مُّنبَثًّا ?.
والحروف الصغيرة تدل على أعيان الحروف المتروكة في المصاحف العثمانية مع وجوب النطق بها نحو: ? ذَلِكَ الْكِتَابُ ? ? دَاوُدُ ? ? يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ ? ? يُحْيِي وَيُمِيتُ ? ? أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا ? ? إِنَّ وَلِيَّيَ اللهُ ? ? إِلَى الْحَوارِيِّينَ ? ? إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ ? ? إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ? ? بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ ? ? وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ?.
وكان علماء الضبط يلحقون هذه الأحرف بقدر الحروف الأصلية، ولكن تعسر ذلك في المطابع فاكتفي بتصغيرها في الدلالة على المقصود.
هذه هي بعض علامات التي تهتم بضبط القراءة من أجل النطق بقراءة صحيحة للقرآن العظيم.
ونشاهد الجهود التي بذلت من أجل إخراج النص على هذه الصورة البديعة، وقد خط حروف هذا المصحف الذي اعتمد عليه كل من خط أو طبع مصحفاً من بعد الأستاذ الشيخ محمد بن علي بن خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية.
وعرف المصحف في كل أصقاع العالم الإسلامي باسم مصحف الملك، وطبع منه ملايين النسخ، وأعيد طبعه مرات ومرات حتى كان طبع مصحف المدينة. |
|
|
| |
|