أبي ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لقد فتحت عينيَّ أول ما فتحتها عليك .. وصرتُ أنظر إلى الحياة من عدسة واحدة هي أنت .. بل وأقيس الرجال كلّهم عليك فقط .. وأُعجب بك وبتصرفاتك ويوم أن كبرتُ .. وتعلمتُ .. وتوسعتْ مداركي .. وتعدّدت المصادر عليّ .. صرتُ بعدها أعيش معك في حلم مزعج تموج فيه صور شتى بالمتناقضات اللامفهومة !!
وكم عانيتُ من التردد في إبلاغ ذلك لك .. لما أحسّه من ثقلها عليك غير أنه لا مناص من الصراحة فيها .. والصراحة إذ ذاك كمبضع الجّراح يستأصل به ورماً مزمنا .
وإذا بي أراها صوراً حقيقية تتكرر في حياتي اليومية .. وياليتها كانت حلماً ّّ فلقد صرتُ بعدها أفكر فيك كثيراً .. وأتساءل .. هل أنت ناصح في تربيتك أو غاش لنا ؟ ... وبشكل سريع تمرُّ صور كثيرة لك معنا تثقل كفة الغش على كفة النصح .. فأجاهد نفسي لطردها .. وأحاول أن أشيح بوجهي عنها .. فتدمع عيني وأنا أتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة "
أبي العزيز :
.. ربما يكون في كلماتي شيء من الحرارة . بيد أنها أخف بكثير من حرارة الهموم المضطرمة بين جوانحي ..
... فتحملها من ابنتك يا أبي ..
أبي رعاك الله :
لقد رأيتَ الحياة قبل أن أراها .. وسَبَرْتَها قبل أن أعرف شيئاً منها .. ولا أظنّك – بعد كل هذا – تجهل ما للصديق من أثر على صديقه .. ومن تغيير لسلوكه وأخلاقه .. والصاحب ساحب كما تقول العرب .. ولو أردت يا أبي أن أغوص لك في عالم النّساء لطال علينا الحديث ..
غير أنّ الذي يهمّني هنا تنبيهك إلى ما أغمضت عينيك عنه كثيرا .. وأغفلته أبداً .. في النظر إلى من يصاحبني أو يجالسني من قريباتي أو في المدرسة ..
فكم كنتَ كثيراً ما ترفع سمّاعة الهاتف .. ثم تناديني بأن المكالمة لكِ وليس إلا زميلات المدرسة .. ولكن لم أسمع ولا مّرة واحدة سؤالاً عمّن اتصل بي .. من هي ؟ هل الكلام ضروري حتى يطول الحديث ؟ .. هل هي من ذوات الأخلاق في المدرسة . هل هي قرينتك في المدرسة ؟ ..
وغيرها من الأسئلة التي كنتُ أتوقعها كثيراً ...
وكذلك فأنت تعرف ابنة عمي (....) كيف كانت تعبث بشعرها وتغير وجهها بالأصباغ والألوان إلى حدٍّ يستحي المتحدّث معها أن يُحدّ النظر فيه .. وهي مزهوّة منتفشة .. تظنّ ذلك تقدمّاً وتطوراً كما ترى في الشاشة أو على صفحات المجّلات .. وذلك كّله نتيجة لرضى عمي لها أن ترى كل شيء .. حتى العرض الفضائي (عافنا الله من ذلك) .
هذا شكلها .. أمّا كلامها .. أمنياتها .. أفكارها .. فلا تعجب من غرابتها وسفاهتخا .. وهي بحق عّينة تجربة تتقلب بين أيدي نساء الكفر الفارغات .. عن طريق القنوات أو على صفحات المجلات .. حتى ليمكنك القول بأنها امرأة أجنبيّة في مسلاخ ابنة عمّي !!..
ولكن ..
... ولكن ومع علمك بهذا كلّه .. لم أر منك ولا كلمة واحدة تنصحني فيها بعدم إكثار الكلام معها .. أو الإعجاب بشكلها ، أو كثرة مجالستها في اجتماعاتنا .
وعلى الطرف الآخر .. عندما ترى ابنة عمتي (....) فتاة طيبة متمسكة .. تدرس في مدارس تحفيظ القرآن .. وتحرص على المفيد كثيراً .. وأنت تلمس ذلك حينما نعود من زيارة عمتي وقد حُملنا بالكتب النافعة والأشرطة المفيدة .. ولكن .. ومع علمك بهذا أيضاً .. لم أر منك ولا كلمة واحدة في تشجيع هذا المسلك والثناء على صاحبه .. ولم أر منك نصحاً في التقرب من ابنة عمّتي في اجتماعاتنا العائليّة .
... وحينها أشكّك في نفسي .. هل كان تفريقي بين الصورتين مخطئاً ؟ أم إنّ أبي لا يعرف الخطأ من الصواب ؟! .. أم هي الثقة بأنّ النساء معصومات لا يقضي عليهن بالتأثر والإنحراف ؟! ..
أبي رعاك الله :
.. في المدرسة .. وفي إحدى حصص التربية الإسلامية .. كانت المعلمة تتحدّث عن تفسير قوله تعالى :
{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}" النور :31" .. وشَرَعَتْ في شرحها تقول إنَّ على المرأة أن لا تمدّ بصرها إلى ما يرغبها في الفاحشة ويرغبها في الرجال من النظر إليهم أو إلى صورهم .. إذ هو السرّ في إتباع ذلك بقوله { وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } فحفظ البصر طريق لحفظ الفرج ...
... وَشَردْتُ عن شرحها وأنا أتذكر ما أراه كل يوم على الشاشة .. حينما يخرج الممثل .. وقد استكمل زينته .. وأظهر مفاتنه وهو يتغزل بتلك الممثلة .. أو يبادلها كلمات الحب والغرام .. ويدغدغ مشاعرها بمعسول الألفاظ .. وهي ليست حرماً له ..
أو حينما أشبع لا من رؤية الرجال فقط وإنما من عوراتهم إلى مادون السوأة في كثير من المشاهد الرياضيّة ..
.. فتضطرم النار! حينئذٍ وتتأجج .. شأن أكثر الفتيات أمام تلك الصور .. كل تلك المشاهد أراها وأنت إلى جانبي .. أو أنت تعلم أني أراها فتضطرب لدي المبادئ .. وتختلط الصور ..
أبي حفظك الله :
لست أنسى يوم أن كنتُ وأهلي معك في السيَّارة لزيارة أحد الأقارب .. فاضطرتنا الإشارة للوقوف .. وحين رأيت إلى جانبنا سيارة مليئة بالرجال أسرعت بالإلتفات إليّ وقلت : غطي وجهك جيداً .. فاستجبتُ سريعاً وغطيتُ وجهي .. ولكن ..
ولكن وفي مساء ذلك اليوم نفسه كنّا كعادتنا أمام المسلسل على الشاشة ظهر فيه عددٌ من الممثلات لم يغطين وجوههن !! .. ولم يتركن الحجاب فقط .. بل وأظهرن مفاتنهنّ وأبدين زينتهنّ ..
وكنتَ – من غير شعور أو بشعور مطموس بهوى – معجباً بعرضهنّ .. وحسن أدائهنَّ .. وتحفظ أسماء عدد منهنّ ..
.. فغبتُ عن الموقف .. وحَلَّقْتُ مع خاطري في حوار بعيد طويل .. لو فعلت مثل هذه المرأة هل سيعجب بي أبي ؟!..
لكنه اليوم أمرني أن أغطي وجهي جيداً !!
هل ترك الحجاب حلال للممثلات ؟!.. فلأكون ممثلة إذن حتى يحلّ لي كشف وجهي !! .. ولكن ..